أما بعد: فاتقوا الله معشر المسلمين، فتقوى الله خير ما اكتسبتم، وأفضل ما ادَّخرتم، بها تزكو أعمالكم، وترفع درجاتكم. واعلموا – عباد الله – أن أعظم النعم نعمة الإيمان والقرآن. الإيمان نور القلوب، وضياء البصائر، وروح الإنسان وكيانه، وكرامته وعزه وقَدْره، ولا خير في الآدمي بلا إيمان. والقرآن هو الهدى والنور، والداعي إلى كل خير، والناهي عن كل شر، غذاء الأرواح، وتزكية الأشباح، فيه الحلال والحرام، وتفاصيل التشريع والأحكام، يحكم على الدنيا والآخرة، من تمسك به هداه الله لأرشد الأمور، ومن نبذه فهو مثبور، قال الله تعالى: إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9]، وقال تعالى: فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ [طه:123، 124]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (تكفَّل الله لمن عمل بالقرآن ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة)[1]. القرآن الكريم معجزة نبينا محمد العظمى، الباقية الدائمة، التي تخاطب الأجيال البشرية إلى قيام الساعة، وتُقنع العقل الإنساني بأنواع البراهين الكثيرة، ليذعن الإنسان للحق، ويستسلم لرب العالمين بطواعية واختيار ورضا ومحبة، أو يُعرض عن الحق بعد معرفته عن جحود واستكبار فتقوم الحجة لرب العالمين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ما من نبي بعثه الله إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً)) [رواه البخاري][2]. هذه المعجزة الخالدة، لم يقدر الإنس والجن على أن يأتوا بكتاب مثلها وقت نزول القرآن الكريم، بل لو اجتمع أولهم وآخرهم فلن يستطيعوا أن يأتوا بكلام مثل معجزة القرآن العظيم، قال الله تعالى: قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]. بل إن الله تحدى الثقلين أن يأتوا بعشر سور مثله فلم يقدروا، قال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ [يونس:38]. وآخر الأمر، دعاهم الله تعالى أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا، قال الله عز وجل: وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:123، 124]. وليس بين آياته وكلماته اختلاف، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً [النساء:82]. وأنزل الله القرآن العظيم معجزاً رحمةً من الله بعباده، ليعلموا أنه كلام الله، وأن الله هو الإله الحق المبين، وأن محمداً رسول الله حقاً، لأن القرآن العظيم أكبر دليل يخبرنا بصفات ربنا، وما يجب لله من صفات الكمال، وما يُنزَّه ويُقدّس عنه من النقص، الذي لا يليق بجلاله تبارك اسمه، قال الله تعالى: تلْكَ ءايَـٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقّ فَبِأَىّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6]، وقال تعالى: تِلْكَ آيَـٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ [البقرة:252]. فمن لم يؤمن بالقرآن الكريم ومعجزته لا تنفعه خوارق العادات، ومشاهدة الآيات، قال الله تعالى: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِنَ ٱلسَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [الحجر:14، 15]. وإعجاز القرآن العظيم في نظمه البديع، وفي تشريعاته الحكيمة، وفي دلائله على سنن الكون، وأسرار الخلق، وفي بيانه لسنن الاجتماع البشري، وفي شمول تعليماته، وفي صدق أخباره، فيما كان، وما يكون، وفي سمو مقاصده وغاياته، وإعجازُ القرآن الكريم في تربيته المتكاملة للإنسان، من جميع الجوانب، فقد أخرج أمة الإسلام للناس، فكانت بالقرآن خير الأمم، كما قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ ءامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ [آل عمران:110]، فلم تر البشرية في تاريخها أرحمَ ولا أعدلَ ولا أسمحَ من أمة الإسلام. أيها المسلمون، إنكم في أشد الحاجة إلى التخلق بالصفات التي دعاكم إليها القرآن، بامتثال أوامره، والابتعاد عن نواهيه، وتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه. والقرآن لا يؤتي ثماره في الإنسان ولا يقيمه على الجادَّة، ويصبغه بصبغته إلا إذا تهيأت النفس للقبول، وتفتَّح القلب لأنواره، وخشعت الجوارح لترغيبه وترهيبه، ووعده ووعيده، كما قال تعالى: ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23]. والزمان المناسب يساعد على تأثير القرآن الكريم في النفس الإنسانية، ويزيد المسلم هدى على هدى، ونورا على نور، ورمضان أفضل الأوقات لتلاوة القرآن والتأثر به، لأن القرآن غذاء الروح، وفي رمضان يضعف سلطان النفس الأمارة بالسوء على البدن للصيام عن غذاء البدن، فتستعلي الروح وتقوى بغذاء القرآن الكريم، فينتفع المسلم بكلام الله غاية النفع، ويتلذذ بتلاوة القرآن الذي هو غذاء روحه وحياتها، فالقرآن العظيم كالغيث النافع، والنفس كالأرض، ورمضان كالزمان الصالح لنزول الغيث، الذي تنبت الأرض فيه من كل زوج بهيج. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب[3]، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان[4]، لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به)) [رواه البخاري ومسلم] [5]. عباد الله، اغتنموا بقية شهر رمضان، اغتنموا بقية شهر القرآن، فأكثروا فيه من التلاوة لكتاب الله تعالى، مع التدبر والفهم لمعانيه، والعمل بما فيه، فقد كان السلف الصالح يتفرغون في هذا الشهر لتلاوة القرآن والأعمال الصالحة، وكانت ألسنتهم رطبة بذكر الله، فمنهم من يختم القرآن في رمضان في سبع، ومنهم من يختم في ثلاث، ومنهم من يختم في ليلة. ومن عمل بالقرآن فهو من أهله، ولو لم يكن حافظاً للقرآن، ومن لم يعمل بالقرآن فليس من أهل القرآن، وإن كان حافظاً له، ومن لم يكن حافظاً إلا بعضه فيقرأ ما يحفظ ويكرره. وعليكم – معشر المسلمين – بفعل الخيرات في هذا الشهر الفضيل، وأحسنوا إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين، اقتداءً بأجود الخلق ، فقد جاء في الحديث أن جبريل عليه الصلاة والسلام كان يعارض النبي القرآن في كل سنة من رمضان مرة، وفي آخر سنة عارضة القرآن مرتين[6]، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة[7]. عباد الله، الصلاةَ الصلاةَ، فإنها عمود الإسلام، وناهية عن الفحشاء والآثام، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فقد خسر نفسه، وأضاع دينه، وأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، فإن قبلت قبل سائر العمل، وإن رُدّت رد سائر العمل، وقيل لتاركها: ادخل النار مع الداخلين. وأدوا زكاة أموالكم قبل أن تعذبوا بها بعد الموت، ففي الحديث: ((ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، فيأخذ بلهزميّه – يعني: شدقيه – ويقول: أنا كنزك، أنا مالك))[8]، أي يُمثل له ثعباناً عظيماً، فيأخذ بشدقيه، ويسلَّط عليه يُعذّبه والعياذ بالله. واغتنموا شهركم بخير ما تقدرون عليه، واختموه كذلك بخير ما تقدرون عليه من صالح الأعمال، فإنما الأعمال بالخواتيم، فمن أحسن في أول شهر صومه، فليحمد الله، وليداوم على الإحسان، ومن قصّر فليتدارك ما فات، وليجتهد في العشر الأواخر، واحفظوا صيامكم بغض البصر، وحفظ اللسان، وكفّ الأذى، وبذل الخير، وأكثروا من ذكر الله تعالى، فإنه من أفضل أعمالكم وأزكاها عند ربكم، وأكثروا من الصلاة والسلام على سيد البشر ، فإن أقرب الناس إليه أكثرهم عليه صلاة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد. عباد الله، أكثروا من الدعاء المخلص، في ساعات الليل والنهار للإسلام والمسلمين، أئمتهم وعامتهم، فقد تعرّض أطفال من المسلمين رُضَّع، وشيوخ رُكّع، ونساء ثكالى، وأناس لم يقترفوا جرماً، تعرضوا للقتل والظلم والعدوان، ولا يقدر على رفع ذلك ودفعه إلا الله تعالى. قال الله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:133-135]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. -------------------------------------------------------------------------------- [1] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (34781) ، والطبري في تفسيره (16/225). [2] أخرجه البخاري في فضائل القرآن (4981) ، ومسلم في الإيمان (152) من حديث أبي هريرة بنحوه. [3] جمع جَدَب وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء، قاله في الفتح. [4] جمع قاع وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت ، قاله في الفتح. [5] أخرجه البخاري في العلم (79) ، ومسلم في الفضائل (2282). [6] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2450) من حديث عائشة رضي الله عنها. [7] أخرجه البخاري في بدء الخلق (3220) واللفظ له ، ومسلم في الفضائل (2308) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. [8] أخرجه البخاري في الزكاة (1403) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه. الحمد لله مُعزّ من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، فتح أبواب الخيرات لمن أراد رضاه، وأغلق باب السوء عمن أقبل عليه وتولاه، أحمد ربي وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، اجتباه ربه واصطفاه، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: فاتقوا الله في سركم وعلانيتكم، فإن الله لا تخفى عليه نياتكم وأعمالكم. عباد الله، إن من رحمة الله وحكمته، وإحاطة علمه وقدرته أن بيّن لنا الشهور الفاضلة، والليالي والأيام الشريفة، والساعات المباركة، لنجتهد فيها بالطاعات التي شرعها الله تعالى، ولنتعرض لنفحات ربنا وبركاته، فمن طرق باب ربه بإخلاص وسنة فتح الله له باب رحمته. ومن تلك الليالي الفاضلة والساعات المنيفة الشريفة ليلة القدر، التي رفع الله ذكرها في كتابه فقال: إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر1-3]، أي: عبادتها خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وفي الحديث عن النبي : ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه))[1]. وهي في العشر الأواخر من رمضان، وتُرجى في ليلة أوتار العشر من هذا الشهر، في ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وما من ليلة إلا وجاء في فضلها من العشر حديث عن النبي ، وقد أخفى الله هذه الليلة في العشر ليجتهد المسلم في العبادة، فاطلبوا هذه الليلة، فإنه من وُفِّق لها وقبل الله منه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، ومن حُرمها فقد حُرم خيراً كثيراً. فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، واجتهدوا في هذه العشر اقتداء بالنبي ، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي إذا دخل العشر شدّ المئزر، وأيقظ أهله، وأحيا ليله[2]، فكان يحيي الليل كله بأنواع العبادة، فاقتدوا به عليه الصلاة والسلام، واطرقوا باب الله عز وجل، فإنه كريم قريب مجيب. عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال تبارك وتعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد...